الحلقة السابعة
يبعد طريق المخازن عن القصر قرابة الكيلومتر في جهة الشمال الشرقي منه، متخللاً الأراضي الزراعية، تحيط بجانبيه أشجار الكافور والنخيل، وينتهي بمساحة واسعة تشبه الدائرة، يوجد بها عدد من المخازن التي تحتوي على أنواع شتى من المحاصيل، كالقمح والأرز والفول والذرة، وغيرها من المحاصيل الشتوية والصيفية، التي يفد إليها العديد من كبار التجار من أهل دسوق وسيدي سالم، وبعض تجار فوة والحامول.
وكانت مزرعة المواشي التي تضم مئات الرؤوس من العجول والأبقار والجاموس تقع بالقرب من المخازن، واسطبل الخيل الذي كانت له مكانة خاصة لدى الناصر، بينما كانت المخازن وما تحتويه من محاصيل تقع تحت تصرف المنتصر، فهو المسئول عنها. أما الناصر فكان يتصرف بحرية تامة في مزرعة المواشي واسطبل الخيل. لم يكن ذلك منهما بمثابة تقسيم التركة التي خلّفها "غالب". ولكن حتى يتيسر على كل منهما إدارة ما وقع تحت سيطرته بقوة وحزم. ولم تكن تلك الدائرة تمثل نهاية طريق المخازن، بل كان الطريق يمتد بعدها مسافة كيلومتر أو ما يقرب من ذلك. في الحقيقة لقد كان طريق المخازن بمثابة البوابة الرئيسة الآمنة التي تؤدي إلى "الجنة المزعومة".
كان يتسنى للأفعوان أن يقود الرعاع عبر هذا الطريق فلا يهلك منهم أحد، ولكنه أراد أن يغرس في قلوبهم الخوف والرعب، فإنهم إن أرادوا أن يفرّوا اتخذوا طريق البراري فيهلكوا لا محالة. ولذا فقد آثر الرعاع البقاء والاكتواء بنيران الآلهة المزعومة عن أن يهلكوا في البراري المجهولة، فكانت حياتهم على الكفر أجدى لهم من موتهم على الإيمان.
أمّا عن حراس المخازن ومزرعة المواشي واسطبل الخيل فإنهم من طبقة الزبانية الذين يمتطون جيادهم طيلة اليوم، ممسكين بسياطهم يلهبون ظهور الرعاع الذين دأبوا على حمل الأجولة من المخازن إلى عربات التجار، كما حملوها من الحقول من قبل إلى المخازن؛ بينما يرعى البعض الآخر الماشية والخيول، حيث يقدمون لها العلف والماء، ويعملون على رعايتها والاعتناء بها. وما أن يجنّ الليل حتى يعودوا إلى ديارهم سيراً على أقدامهم ثم يعاودون الذهاب مع بزوغ الفجر. وهكذا.
وعن كبير الحراس فإنه شخصية متسلطة، لا يتورع ومن معه عن سبّ الرعاع وقذفهم بأحط الألفاظ، كـ"أبناء الزواني" و"أبناء الحرام". وكان دائماً يقول لهم: "ما أنتم إلاّ تماثيل متحركة لا تفقهون شيئاً". هكذا كانت ُتصب هذه الجملة في آذانهم كالرصاص المنصهر. ولكنه تجاهل حقيقة صارمة وهي أنّ النفوس التي اعتادت السرقة، ووجدت في الزنا وهتك الأعراض متعة لا تدانيها متعة، هي نفوس دنيئة حقيرة، لا ترقى في خسّتها إلى منزلة البهائم، حيث كانوا يسرقون – إذا انتصف الليل – أجوله القمح والأرز والذرة وغيرها، ويبيعونها خلسة لصغار التجار بأبخس الأثمان، يوزعونها فيما بينهم وكان لكبير الحراس النصيب الأكبر.

Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire