dimanche 11 février 2018

الحلقة الثانية  عشرة
 انطوت صفحة النهار وقفل الرعاع عائدين إلى ديارهم يتحدثون بأعينهم عن الشر المستطير الذي انتشر فيهم، لقد استبد بهم الطغاة يقتلون ويحرقون. ها هم خمسة من خيرة رجالهم يفقدونهم أمام أعينهم وهم لا يحركون ساكناً، ولا تثور لهم ثائرة، يرونهم في طريق عودتهم مصلوبين على جذوع أشجار الكافور، يرتقبون مصيرهم المحتوم، فتميل "شهد" إلى أذن أخيها "عليّ" في طريق عودتهما إلى البلدة، سائلة إياه بصوت خفيض: "هل تتركونهم يحترقون أمام أعينكم دون أن تفعلوا شيئاً؟" فيجيبها عليّ بنبرة مهزومة: "وماذا نفعل؟! هل نذهب نفك وثاقهم فنصلب إلى جوارهم؟! ثم إلى أين يذهبون؟ سوف يعثرون عليهم مرة أخرى ويحرقونهم، بل ويحرقون البلدة كلها...." 

"لا يستطيعون حرق البلدة كلها، إنهم في حاجة إلينا، فنحن من نغرس ونزرع ونجني المحاصيل، قد يكوون ظهورنا بالنيران، ولكنهم لا يقطعون أيدينا أو أرجلنا، فنصير بلا نفع لديهم".

ويشترك "نعيم" في الحوار، فيقول حانقاً: "لقد طفح الكيل يا شهد، ولكن إن فككنا وثاقهم فأين يذهبون؟ والبراري تحيط بالبلدة كلها. وهم لا يقوون على اجتيازها دون سلاح وخيل؟!" فتجيبه شهد بنبرة حزينة: "نفعل ما نقدر عليه، ولله الأمر من قبل ومن بعد". ولكنهما يهويان في تفكير عميق وقد بدت على وجهيهما علامات الخوف لما يجهلانه من عواقب الأمور، فتصيح شهد فيهما بصوت مكتوم: "إن لم تفعلا أنتما قمت أنا بالأمر كله، ألم تبعث كلمات عايش النخوة في قلوبكم؟ كان بإمكانه أن يؤثر السلامة فيصمت، ولكنه أراد أن يتطهّر، تغلبوا على الخوف الذي عشّش في صدوركم وما أراه إلاّ كخيوط العنكبوت، يكفيه نسمات خفيفة حتى تمزقه". فينظر إليها نعيم وقد مسّت كلماتها أوتار قلبه: "لا تحزني يا شهد، سأعرض الأمر على أخويّ "صابر" و"جابر" وسوف نصل إن شاء الله إلى حل يرضيكِ".

- " بل أريد حلاً يرضي قلوبكم وضمائركم، سوف نجتمع كلنا الليلة عندكم لننظر ماذا نصنع".

 انسدل ستار الليل غازياً البلدة كلها، وساقت الأقدار أقدام شهد وأخيها عليّ، إلى دار نعيم، وطرق علي الباب في هوادة وشهد تلتفت عن اليمين وعن الشمال حتى فتحت "ملك" لهما الباب، فدخلا والتقت أعينهما بعيني عمهما "محسن" ربّ الأسرة، حيث كان متكئاً على الكنبة، يتناول بعض الشاي على ضوء المصباح المعلق على الحائط، وكان بالقرب منه أبناؤه الثلاثة يجلسون على حصير متخذين هيئات مختلفة، يشربون الشاي أيضاً. وما أن رآهم العم محسن حتى رحب بهما واعتدل الآخرون في جلستهم، خاصة صابر- الابن الأكبر- الذي كان يحب شهد  حباً شديداً، وإن كان يعلم أنّ قلبها يميل تجاه مرسي. لقد تردد صابر كثيراً ، هل يحاول إنقاذ مرسي وأصحابه فيظل قلب شهد مغرماً به إلى ما شاء الله؟ أم يتركه فيهلك، ويصفو له الجو، فلربما تعلّق قلب شهد به في يوم من الأيام؟ ولكنه لطيبة قلبه لم يستمع لإغواء الشيطان، وكان يحدث نفسه قائلاً: "إنّ مرسي هالك لا محالة، إن لم ننقذه الليلة أشعل الزبانية النار في جسده ومن معه، وإن أتمّ الله نعمته علينا وعليهم فأنقذناهم غادروا البلدة عبر البراري ولا شكّ أنهم هالكون". وهكذا كان يجد لتعاطفه معهم أكثر من مبرر.

 جلست شهد وأخوها على الحصير، وأحضرت ملك لهما الشاي، ثم تحدثت شهد قائلة: "هل أخبرتهم يا نعيم بما عزمنا على القيام به الليلة؟" وقبل أن يتحدث نعيم أجابها صابر قائلاً: "وأخبرنا أيضاً أنك متحمسة للقيام بهذا الأمر بمفردك، ولكن أما سمعتِ الناصر يأمر أعوانه أن يغادروا أرض السواقي، ما فعل ذلك إلاّ عن يقين منه أنّ أحداً لن يجرؤ على مد يد العون لهم".
"ولكن أما تتذكرون ولو جميلاً واحداً لواحد منهم؟".

فأجابها جابر – الابن الأوسط - قائلاً: "إنهم إخوان لنا يا شهد، ونحن على يقين أنهم مظلومون، وقد اتفقنا فيما بيننا على أن نبذل لهم ما في وسعنا، ولكننا نخاف عاقبة هذا الأمر، خشية أن نجر البلدة كلها إلى الخراب".

وقبل أن تتكلم شهد أخذ العم محسن بطرف الحديث قائلاً: "ما دمتم قد عزمتم فلا تخشوا شيئاً، وأما عاقبة ما أنتم مقدمون على فعله فلله يُدبرها كيفما شاء". ثم تحدث عليّ الذي كان ينظر إلى ملك بإعجاب شديد: "نعم، لا فائدة من إضاعة الوقت، سنذهب الآن حتى نجمع لهم الطعام فإنهم لم يتناولوا شيئاً طيلة اليوم، وسوف نلتقي بكم عند الساقية المهجورة بعد ساعة من الآن، فلا تتأخروا علينا".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire